السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ ابني عمره 18 عامًا، هو مهذب، واجتماعي، ومحبوب من الناس، وبفضل الله ليس عنده انحرافات خُلُقية، إلا أنى أعانى من عزوفه عن حضور دروس العلم، وحلقات القرآن بالمساجد، ولا يحافظ إلا على صلاة العشاء بالمسجد، وباقي الصلوات يصليها بالبيت، وكثيرا ما أوجهه وأعظه وأرغبه إلا أنه، للأسف، راضٍ عن نفسه، ويرى أنه لا يرتكب المعاصي التي يرتكبها أقرانه من نفس سنه.
وهو عنده شغف باللعب على الكمبيوتر، ومباريات الكرة، حاولت معه بطرق عدة حتى أنني أخصص أوقاتًا له، نجلس سويًا، نتدبر القرآن، وأعلمه ما تيسر من العلوم الشرعية، وأجد عنده رغبة وشوق وتفاعل جميل أثناء ذلك، لكن بمجرد أن أتركه وحاله يعود كما كان.
لا أدري كيف هو السبيل إلى توجيهه؟ فكرت أن أشترط عليه ألا يخرج مع أصدقائه إلا إذا حضر درس المسجد، فهل هذا التفكير صحيح؟، وفي الإجازات، ما هو البرنامج المثالي له للاستفادة من وقته. وجزاكم الله خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب:
أختنا الفضلى:
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكِ، وشكر الله لكِ ثقتكِ بإخوانك في موقع (المسلم)، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا،...آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك باهتمام شديد، وألخص ردي عليها في النقاط التالية:
1- أن المرحلة العمرية التي فيها ولدكِ (عمره 18 عامًا) لها خصائصها التي يجب معرفتها جيدًا، ومن ثم معرفة كيف تتعاملين معه؟، فالشاب في هذه المرحلة التي يسميها المختصون مرحلة المراهقة يمر بتغيرات نفسية وفسيولوجية، ويبحث خلالها عن قدوة، ويسعى للتعبير عن ذاته، وإشعار الآخرين برجولته، وأنه لم يعد طفلا كما كان، وأنه قد أضحى رجلا، كما أنه يحب أن يكون له رأي فيما يثار حوله من أمور، في مرحلة البحث عن الذات، وتكوين ملامح الشخصية التي سيعيش بداخلها في مرحلته الجديدة.
2- أن الصفات التي يتحلى بها ولدكِ، والتي أشرتِ إليها في رسالتكِ، والتي عبرتي عنها بكلماتك (مهذب)، (اجتماعي)، (محبوب من الناس)، (ليس عنده انحرافات خُلُقية)، هي صفات جميلة، قلما نجدها في غالب شبابنا هذه الأيام، فاحمدي الله عليها، واسأليه سبحانه وتعالى أن يديمها عليه، وحاولي قدر الجهد أن تمدحيه عليها، وأن تذكرينها في سياق الثناء عليه، وأن تبرزيها في حديثك عنه أمام إخوته، وأصدقائه، وأهله، فذلك أدعى أن يتمسك بها، وأن يحرص عليها، وأن يجتهد في تنميتها.
3- أن العلل التي جاءت في رسالتكِ، والتي تتلخص في العبارات التالية: (عزوفه عن حضور دروس العلم، وحلقات القرآن بالمساجد)، (لا يحافظ إلا على صلاة العشاء بالمسجد، وباقي الصلوات يصليها بالبيت)، (عنده شغف باللعب على الكمبيوتر، ومباريات الكرة)، (راضٍ عن نفسه)، (يرى أنه لا يرتكب المعاصي التي يرتكبها أقرانه)، هي في الإجمال ليست أمراضًا مزمنة، ولا عللا مستعصية، كما أنها ليست أمراضًا خاصة بولدك دون غيره من الشباب، وإنما غالب شباب الأمة مصاب بها، ولا يعني هذا أن نتركها بلا علاج، أو نطمئن ونركن، لا... بل يجب أن نشمر عن ساعد الجد للبحث لها عن حلول، لكنني فقط أطمئن قلبكِ حتى تعتبري أن الولد قد ضاع، فيتسرب اليأس إلى نفسك، ويصيبك الإحباط.
4- أن المحاولات التي بُذِلَتْ معه، والتي لَخَصَتْها الكلماتُ الآتية: (كثيرا ما أوجهه)، (أعظه)، (أرغبه)، (حاولت معه بطرق عدة)، (أخصص أوقاتًا له)، (نجلس سويًا)، (نتدبر القرآن)، (أعلمه ما تيسر من العلوم الشرعية)، تعكس لنا الجهد المبذول معه، والتنوع في وسائل التربية والإصلاح، وهو شيء محمود يُحْسَبُ لكم، وعما قريب سيؤتي أكله، بإذن الله تعالى، وقد بانت لكِ بشارته، وهو ما لاحظته في رسالتكِ من قولكِ: (أجد عنده رغبة وشوق وتفاعل جميل)، ولا تقلقي لكونه (بمجرد أن أتركه يعود كما كان)، فهذه طبيعة النفس البشرية، ولا يدوم إنسان على حال واحد، فالثابت أن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
وقد روى أبو ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب، أحد كتاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: لقيني أبو بكر رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان اللَّه! ما تقول؟ قلت: نكون عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا. قال أبو بكر رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقلت: نافق حنظلة يا رَسُول اللَّهِ! فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «وما ذاك؟» قلت: يا رَسُول اللَّهِ نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة في فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
5- إن الفكرة التي دارت بخلدك وهي (أن أشترط عليه ألا يخرج مع أصدقائه إلا إذا حضر درس المسجد)، كان من الممكن أن تؤتي ثمارها لو عاد بكما الزمان للوراء عشر سنوات، عندما كان ولدك في سن الطفولة (6- 10) سنوات، ففيها يمكن اعتماد أسلوب التشكيل والتوجيه، وأسلوب الثواب والعقاب، وأسلوب التخويف والزجر، أما الآن فلا، فقد شب ولدُكِ، وبلغ مبلغ الرجال، وأصبح شابًا قويًا يافعًا، وهو الآن يمر بمرحلة المراهقة، التي سبق أن أشرنا إلى بعض خصائصها في مقدمة الإجابة، ولم يعد يصلح معه سوى أسلوب المصارحة، والمصاحبة، والمصادقة، كما أن اشتراط حضور درس المسجد (وهو عمل من أعمال الآخرة)، مقابل الخروج مع أصدقائه (وهو من أعمال الدنيا)، يكون له مردود سلبي على أهمية وقيمة العمل الأول، فضلا عن أنه- لو تم- سيكون أقرب إلى كونه عقوبة لا مكافأة، وهو أمر يحذر منه الخبراء والمربون!!
6- أنه بإمكانكِ استثمار الإجازات، وخاصة الإجازة الصيفية، بوضع "برنامج عملي" لولدكِ، يُراعى فيه التنوع، والتشويق، والإثارة، يستهدف التثقيف والتسلية والتربية، ويمكن وضع بعض الخطوط العريضة له كالتالي:
أ- تنمية المهارات: عن طريق استثمار فترة الإجازة في اكتساب مهارة جديدة أو تطوير مهارة موجودة بالفعل، وقد جاء في رسالتكِ أن ولدكِ (عنده شغف باللعب على الكمبيوتر)، فيمكن تطوير هذه المهارة، وتحويلها من مجرد لعب على الكومبيوتر إلى تطبيقات أكثر فائدة مثل: تعلم البرمجة الإلكترونية، أو تصميم المواقع الإلكترونية، فن الجرافيك، أو... إلخ.
ب- التثقيف الشرعي: عن طريق التركيز في دراسة علم ما من علوم الشريعة، مثل: التجويد، والفقه، والسيرة، أو غير ذلك مما تستشعرين حاجة ولدكِ له.
ج- مدرسة لحفظ القرآن: من خلال التركيز على حفظ ومراجعة جزء واحد من أجزاء القرآن الثلاثين، وليكن مثلا جزء عم، لسهولته، وقصر سوره، على أن يقوم بتحفيظه شيخ، ولا يهمنا إن كان يرغب في الحفظ بالبيت أو في المسجد، فليست هذه مشكلة، على أن تقومين باستظهار ما حفظ خلال فترة الإجازة، وتمنحينه جائزة قيمة على حفظه.
د- الاشتراك في أحد الأندية الرياضية القريبة من البيت، ليشارك في بعض الألعاب المفيدة، فقد فهمت من رسالتكِ أنه يحب لعب الكرة، فلا بأس أن تتاح له فرصة لممارسة اللعبة التي يحبها، فلا شك أن الرياضة سيكون لها دور كبير في خل مشكلته، ويمكن ضرب عصفورين بحجر واحد، من خلال ربطه بعض الشباب المتدين، ليلعب معهم في الأيام والدورات الرياضية التي يقيمونها في الصيف، فينفس عن نفسه في رياضة يحبها، ويستمتع بمصاحبة شباب صالح خلوق.
هـ- القيام برحلة أسبوعيًا، أو نصف شهريًّا، لإحدى الحدائق والمتنزهات، وما أكثرها في مصر، وحبذا لو كانت هذه الرحلات مع فريق من الشباب الصالح، من أصدقائه أو جيرانه أو زملائه، أو من شباب المنطقة أو الحي الذي يعيش فيه، مع التنويع في الرحلات؛ فتكون نيلية أو خلوية أو جبلية أو بالدراجات... إلخ.
و- المشاركة في أنشطة خدمية: في المنطقة أو الحي الذي يعيش فيه، عن طريق التطوع في إحدى الجمعيات الخيرية، المنتشرة في ربوع مصر، والمساهمة في توصيل الكفالات والمساعدات للأيتام والفقراء، أو المساهمة مع فريق من جيرانه في نظافة وتزيين الشارع الذي يعيش فيه.
ز- القيام بسلسلة زيارات مجدولة: للأهل والأرحام والجيران، بواقع زيارة واحدة أسبوعيًا، يمكن أن نوسع مساحتها لتشمل زيارة بعض المرضى من الفقراء، مع إمكانية عمل زيارة للقبور مرة أو مرتين شهريًا، بهدف ربطه بالآخرة، وترقيق قلبه.
وختامًا: فإن ما سبق لا يعدو أن يكون وصف دواء وعلى الله وحده الشفاء، وبه سبحانه الأمل والرجاء، نسأل الله تعالى أن يوفقكِ في مهتمكِ، وأن يجعلك سببًا في هدايته، وأن يعينكِ بمدد من عنده، وأن يرده إلى صوابه ورشده ودينه ردًّا جميلا، وأن يصرف عنه معصيته، وأن يرزقه رضاه والجنة، وأن يعيذه من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياه إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنه شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول وأفضل مسئول.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الكاتب: همام عبدالمعبود.
المصدر: موقع المسلم.